الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

قصة أصحاب السبت ( تحول اليهود إلى قردة )


قال تعالى :
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(65)فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(66)}.
أبطال هذه الحادثة ، جماعة من اليهود ، كانوا يسكنون في قرية ساحلية ، اختلف المفسّرون في اسمها ، ودار حولها جدل كثير ، أما القرآن الكريم ، فلا يذكر الاسم ويكتفي بعرض القصة لأخذ العبرة منها .
وكان اليهود لا يعملون يوم السبت ، وإنما يتفرغون فيه لعبادة الله ، فقد فرض الله عليهم عدم الانشغال بأمور الدنيا يوم السبت بعد أن طلبوا منه سبحانه أن يخصص لهم يوما للراحة والعبادة ، لا عمل فيه سوى التقرب لله بأنواع العبادة المختلفة .
وجرت سنّة الله في خلقه ، وحان موعد الاختبار والابتلاء ، اختبار لمدى صبرهم واتباعهم لشرع الله ، وابتلاء يخرجون بعده أقوى عزما ، وأشد إرادة ، تتربى نفوسهم فيه على ترك الجشع والطمع ، والصمود أمام المغريات .
لقد ابتلاهم الله عز وجل ، بأن جعل الحيتان تأتي يوم السبت للساحل ، وتتراءى لأهل القرية ، بحيث يسهل صيدها ، ثم تبتعد بقية أيام الأسبوع ، فانهارت عزائم فرقة من القوم ، واحتالوا الحيل – على شيمة اليهود -- وبدوا بالصيد يوم السبت ، لم يصطادوا السمك مباشرة ، وإنما أقاموا الحواجز والحفر، فإذا قدمت الحيتان حاوطوها يوم السبت ، ثم اصطادوها يوم الأحد ، كان هذا الاحتيال بمثابة صيد ، وهو محرّم عليهم .
فانقسم أهل القرية لثلاث فرق ، فرقة عاصية ، تصطاد بالحيلة ، وفرقة لا تعصي الله ، وتقف موقفا إيجابيا مما يحدث ، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتحذّر المخالفين من غضب الله ، وفرقة ثالثة ، سلبية ، لا تعصي الله لكنها لا تنهى عن المكر .
وكانت الفرقة الثالثة ، تتجادل مع الفرقة الناهية عن المنكر
وتقول لهم : ما فائدة نصحكم لهؤلاء العصاة؟
إنهم لن يتوفقوا عن احتيالهم ، وسيصبهم من الله عذاب أليم بسبب أفعالهم ، فلا جدة من تحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك لانتهاكهم حرماته .
وبصرامة المؤمن الذي يعرف واجباته ، كان الناهون عن المكر يجيبون : إننا نقوم بواجبنا في الأمر بالمعروف وإنكار المنك ر، لنرضي الله سبحانه ، ولا تكون علينا حجة يوم القيامة ، وربما تفيد هذه الكلمات ، فيعودون إلى رشدهم ، ويتركون عصيانهم .
بعدما استكبر العصاة المحتالوا ، ولم تجد كلمات المؤمنين نفعا معهم ، جاء أمر الله ، وحل بالعصاة العذاب ، لقد عذّب الله العصاة وأنجى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، أما الفرقة الثالثة ، التي لم تعص الله لكنها لم تنه عن المكر ، فقد سكت النصّ القرآني عنها ، يقول سيّد قطب رحمه الله : "ربما تهوينا لشأنها - وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب - إذ أنها قعدت عن الإنكار الإيجابي ، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي ، فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب" (في ظلال القرآن) .
لقد كان العذاب شديدا ، لقد مسخهم الله ، وحوّلهم لقردة عقابا لهم لإمعانهم في المعصية .
وتحكي بعض الروايات أن الناهون أصبحوا ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد ، فتعجبوا وذهبوا لينظرون ما الأمر ، فوجودا المعتدين وقد أصبحوا قردة ، فعرفت القردة أنسابها من الإنس ، ولم تعرف الإنس أنسابهم من القردة ، فجعلت القردة تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي ..
فيقول: ألم ننهكم ! ..... فتقول برأسها نعم .
الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

قصة قصيرة .. المغفلة



منذ أيام دعوتُ الى غرفة مكتبي مربّية أولادي (يوليا فاسيليفنا) لكي أدفع لها حسابها
- قلت لها : إجلسي يا يوليا … هيّا نتحاسب … أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبينها بنفسك .. حسناً .. لقد اتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلاً) في الشهر
- قالت : أربعين
- قلت : كلا .. ثلاثين .. هذا مسجل عندي … كنت دائما أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً) …
- حسناً
- لقد عملت لدينا شهرين
- قالت : شهرين وخمسة أيام
- قلت : شهرين بالضبط .. هذا مسجل عندي .. إذن تستحقين (ستين روبلاً) ..
نخصم منها تسعة أيام آحاد .. فأنت لم تعلّمي (كوليا) في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط .. ثم ثلاثة أيام أعياد .
تضرج وجه (يوليا فاسيليفنا) وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن لم تنبس بكلمة
واصلتُ …
- نخصم ثلاثة أعياد إذن المجموع (إثنا عشر روبلاً) .. وكان (كوليا) مريضاً أربعة أيام ولم تكن يدرس .. كنت تدرّسين لـ (فاريا) فقط .. وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء .. إذن إثنا عشر زائد سبعة .. تسعة عشر .. نخصم ، الباقي .. (واحد وأربعون روبلاً) .. مضبوط ؟
- إحمرّت عين (يوليا فاسيليفنا) اليسرى وامتلأت بالدمع ، وارتعش ذقنها .. وسعلت بعصبية وتمخطت ، ولكن … لم تنبس بكلمة
- قلت : قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً .. نخصم (روبلين) .. الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث ، ولكن فليسامحك الله !! علينا العوض .. وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته .. نخصم عشرة .. وبسبب تقصيرك أيضا سرقتْ الخادمة من (فاريا) حذاء .. ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنتِ تتقاضين مرتباً .. وهكذا نخصم أيضا خمسة .. وفي 10 يناير أخذتِ مني (عشرة روبلات)
- همست (يوليا فاسيليفنا) : لم آخذ
- قلت : ولكن ذلك مسجل عندي
- قالت : حسناً، ليكن
- واصلتُ : من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين .. الباقي أربعة عشر
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع .. وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل .. يا للفتاة المسكينة
- قالت بصوت متهدج : أخذتُ مرةً واحدةً .. أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات) .. لم آخذ غيرها
- قلت : حقا ؟ .. انظري وانا لم أسجل ذلك !! نخصم من الأربعة عشر ثلاثة .. الباقي أحد عشر .. ها هي نقودك يا عزيزتي !! ثلاثة .. ثلاثة .. ثلاثة .. واحد ، واحد .. تفضلي .
ومددت لها (أحد عشر روبلاً) ..
فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة .. وهمست : شكراً
انتفضتُ واقفاً واخذتُ أروح وأجيء في الغرفة واستولى عليّ الغضب
- سألتها : شكراً على ماذا ؟
- قالت : على النقود
- قلت : يا للشيطان ولكني نهبتك .. سلبتك ! .. لقد سرقت منك ! .. فعلام تقولين شكراً ؟
- قالت : في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً
- قلت : لم يعطوكِ ؟! أليس هذا غريبا !؟ لقد مزحتُ معك .. لقنتك درساً قاسياً ..
سأعطيك نقودك .. (الثمانين روبلاً) كلها .. ها هي في المظروف جهزتها لكِ !! ولكن هل يمكن أن تكوني عاجزة الى هذه الدرجة ؟ لماذا لا تحتجّين ؟ لماذا تسكتين ؟ هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب ؟ هل يمكن ان تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة ؟
- ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها : “يمكن”
- سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها ، بدهشتها البالغة ، (الثمانين روبلاً) كلها .. فشكرتني بخجل وخرجت
تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ : ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا .

موقف الأنصار يوم الفتح


رأى الأنصار الأحداث التي تجري في داخل مكة المكرمة، ودخول أهل مكة في دين الله، وهؤلاء جميعًا هم أهل وعشيرة ورحم الرسول، ولا شك أنهم يشاهدون فرحة وسعادة الرسول بهذا الإسلام، ولا شك أنهم أيضًا يشاهدون استقرار الأوضاع داخل مكة المكرمة؛ فقد أسلم عكرمة بن أبي جهل، وأسلم سهيل بن عمرو، وأسلم قادة مكة بصفة عامة، فبدأ الوضع يستقر في داخل مكة المكرمة، ووقف الرسول فوق الصفا يدعو الله والأنصار يقفون تحته، ويفكرون في وضعهم بعد هذا الفتح، فقال بعض الأنصار لبعضهم: أما الرجل -ويقصدون الرسول- فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته.
لأنهم يرون تفاعله مع الأحداث داخل مكة، ويقول أبو هريرة-راوي الحديث كما في صحيح مسلم-: وَجَاءَ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ الْوَحْيُ لاَ يَخْفَى عَلَيْنَا، فَإِذَا جَاءَ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْوَحْيُ، فَلَمَّا انْقَضَى الْوَحْيُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ".
قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: "قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ".
قَالُوا: قَدْ كَانَ ذَاكَ.
قَالَ: "كَلاَّ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ".
وسوف أعيش معكم حياتي كاملة، فليس تعاطفي مع هذه الأحداث التي تجري في مكة المكرمة، وليست فرحتي بإسلام هؤلاء العشيرة والأهل والرحم أنني سأبقى في مكة، وأخلف ما وعدتكم به قبل ذلك؛ لأن الأنصار في بيعة العقبة الثانية قالوا لرسول الله: "إن بيننا وبين القوم حبالاً، وإننا لقاطعوها".
وأكثر من مرة يبايعون على حرب الأحمر والأسود من الناس. فهل إذا استقرت الأوضاع في مكة سيعود ويتركهم مع اليهود أو غيرهم من الناس؟ وهنا قال: "بَلِ الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، أَنَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنِّي".
وأعلن الرسول أنه من المستحيل أن يخالف ما تعاهد مع الأنصار عليه قبل ذلك، وقال الرسول: إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم. قال أبو هريرة: فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: "والله ما قلنا الذي قلنا إلاَّ الضَّنَّ باللَّه وبرسوله". فقد قلنا هذه الكلمات؛ لأننا نريد الله ورسوله، ونريدك معنا يا رسول الله.
فقال رسول الله: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ" .
وقَبِل منهم هذا الأمر، وقبل منهم هذا الظن الذي ظنوه برسول الله؛ لأنه يعذر الأنصار. والأنصار لهم قيمة عالية في ميزان الإسلام، وكل ما بذلوه دون مقابل، لم يأخذوا شيئًا في حياتهم، لا في فترة مكة المكرمة بعد البيعة، ولا في فترة الهجرة من أوَّلها حتى هذه اللحظة، وإلى آخر حياته؛ ولذلك شرفهم الرسول بكلمته العظيمة عندما قال في حقهم: "آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ" .
فنحن نعذر الأنصار في هذا الأمر الذي وقعوا فيه، وعذرهم ربهم ورسوله الكريم، وبذل الأنصار كان قبل الفتح وبعد الفتح، ولكن بذلهم قبل الفتح له قيمة عالية؛ لأن من أنفق في وقت الشدة ووقت العناء ووقت المشقة لا يمكن أن نساويه بمن بذل وأنفق بعد الفتح، ولو كان في أي صورة من الصور. ويؤكد على هذا المعنى الأخير هذا الموقف، فقد أتى مجاشع بن مسعود بأخيه مجالد بن مسعود، ليعلن الإسلام بين يديه بعد الفتح؛ لأن مجاشع من الذين أسلموا قبل الفتح، ومجالد من الذين أسلموا بعد الفتح، فجاء ليبايع بعد الفتح وقال: جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة.
فقال: "ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا".
فقال مجاشع: فعلى أي شيءٍ تبايعه يا رسول الله؟
فقال: "أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ" .
فالمهاجرون الأولون لهم مكانة عظيمة في الإسلام، كما قال الله: "لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ".
نسأل الله أن يفقهنا فى ديننا

إسلام " هند بنت عتبة "


من الذين نحب أن نقف أمام إسلامهم وقفة طويلة ومهمَّة، ليس إسلام أحد رجال مكة، ولا أحد زعمائها، ولكن إسلام إحدى نساء مكة، وإحدى النساء التي حاربت الإسلام طويلاً، ولسنوات عدة، ولها ذكريات مؤلمة عند المسلمين وعند رسول الله شخصيًّا، وهي هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان. وهند بنت عتبة موتورة من المسلمين، فقد قُتل أبوها عتبة بن ربيعة في بدر، وقتل عمها شيبة بن ربيعة كذلك في بدر، وقتل ابنها حنظلة بن أبي سفيان أيضًا في بدر، وقتل أخوها الوليد بن عتبة بن ربيعة أيضًا في بدر، فَقَدَتْ أربعة من أقرب الأقرباء إليها، قُتلوا جميعًا في بدر، وهم جميعًا من سادة قريش.
فموقفها -في الحقيقة- كان في غاية الصعوبة، وحملت في قلبها كراهية لم يحملها أحد مثلها إلا قليل القليل، وظلت على هذا الأمر سنوات طويلة منذ بدر، وحتى فتح مكة، أي ست سنوات متصلة، وقبل ذلك أيضًا كانت معادية للإسلام، ولكن ظهرت العداوة بشدة بعد مقتل هؤلاء الأربعة في بدر، وخرجت بنفسها مع جيش الكفار في موقعة أُحد، وحمَّست الجيش قدر ما تستطيع لقتال المسلمين، ولما فرَّ الجيش من أمام المسلمين في أول المعركة كانت تقذف في وجوههم التراب، وتدفعهم دفعًا لحرب المسلمين، ولم تفر كما فر الرجال.
ثم إنه بعد انتصار أهل مكة على المسلمين في نهايات موقعة أُحد، قامت بفعل شنيع، قامت بالتمثيل بالجثث، وبدأت تمثِّل بواحدة تلو الأخرى بنفسها، حتى وصلت إلى حمزة بن عبد المطلب عم الرسول، فبقرت بطنه، وأخرجت كبده فلاكتها، فما استساغتها فلفظتها. وأثر هذا الموقف بشدة في رسول الله.
وخرجت مع المشركين فيغزوة الأحزاب، بل استمرت في حربها ضد الإسلام حتى اللحظات الأخيرة من فتح مكة، ورفضت هند بنت عتبة ما طلبه زوجها من أهل مكة من أن يدخلوا في بيوتهم؛ طلبًا لأمان الرسول، بل دَعَت أهل مكة لقتل زوجها عندما أصرَّ على مهادنة الرسول، ودفعتهم دفعًا إلى القتال. إنه تاريخ طويل وشرس لهند بنت عتبة مع المسلمين.
عندما جلس الرسول ليبايع الناس على الإسلام، جاءت هند بنت عتبة، وهي منتقبة متنكرة لا يعرفها، والرسول يبايع النساء في ذلك اليوم ويبايعهن شفاهةً، فما وضع يده في يد امرأة أجنبية قَطُّ، وكانت بيعة النساء على: ألاّ يشركن بالله شيئًا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصينه في معروف. فبدأت النساء تبايع، وقال لهن: "بَايِعْنَنِي عَلَى أَلاَّ تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا".
فقالت هند -وهي منتقبة والرسول لا يعرفها-: والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه من الرجال.
أي أن هناك تفصيلات كثيرة للنساء، والرجال قد بايعوا بيعةً واحدة. وأكمل الرسول: "وَلاَ تَسْرِقْنَ".
فوقفت هند وقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني، ويكفي بَنِيَّ، فهل عليَّ من حرج إذا أخذت من ماله بغير علمه؟
فقال: "خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالْمَعْرُوفِ".
ثم انتبه على أن هذه التي تتكلم هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، فقال الرسول: "وَإِنَّكِ لَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ؟".
وتذكر الرسول تاريخها الطويل، وتذكرحمزة بن عبد المطلب، وما حدث له على يد هند بنت عتبة. قالت: نعم، هند بنت عتبة، فاعفُ عمَّا سلف عفا الله عنك.
فهي تعرف تاريخها الطويل مع الرسول، والرسول يعفو ويصفح، وتنازل الرسول عن كل هذا التاريخ الطويل، وقَبِل إسلامها، وأكمل البيعة مع النساء وقال: "وَلاَ تَزْنِينَ".
فقالت هند: يا رسول الله، وهل تزني الحرة؟
فقال: "وَلاَ تَقْتُلْنَ أَوْلاَدَكُنَّ؟".
فقالت هند: قد ربيناهم صغارًا، وقتلتهم كبارًا، هل تركت لنا ولدًا إلا قتلته يوم بدر؟ أنت قتلت آباءهم يوم بدر، وتوصينا بأولادهم.
فتبسم، وضحك عمرحتى استلقى على قفاه. وأخذ الرسول الموضوع بشيء من البساطة، وقدَّر موقف هند بنت عتبة، ومدى صعوبة الإسلام عليها، ومع ذلك هي تُسلِم الآن عن قناعة، ثم قال: "وَلاَ تَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيِدِيكُنَّ وَأَرْجُلِكُنَّ".
فقالت هند: والله إن إتيان البهتان لقبيح.
فقال: "وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ".
فقالت هند: والله ما جلسنا هنا وفي أنفسنا أن نعصيك في معروف .
وتمت البيعة المباركة، وبايعت نساء مكة جميعًا بما فيهن هند بنت عتبة -رضي الله عنها- هذه المبايعة المباركة.
وسبحان الله! حسُنَ إسلام هند بنت عتبة، وكما كانت تخرج مع جيوش الكفار لتحمِّسَها لحرب المسلمين، بدأت تخرج مع جيوش المسلمين لتحمسهم لحرب الكفار. ومن أشهر المواقف لها يوم اليرموك، عندما بدأت تشجِّع المسلمين على القتال في سبيل الله، وعلى خوض غمار المعركة الهائلة ضد مائتي ألف رومي، فكانت من أدوات النصر العظيمة في ذلك اليوم المجيد.
لقد فتح الله قلوبًا غلفًا في يوم الفتح، وأسلمت مكة بكاملها في ذلك اليوم، وهي من أعظم مدن الجزيرة العربية، ولم يتخلف أحد منهم عن الإسلام......

قصة أصحاب الجنه


كان في قديم الزمان رجل صالح وله بضعة أولاد ، قص الله علينا قصتهم في سورة القلم .
كان لذلك الصالح بستان جميل ، عامر بمختلف أنواع الأشجار المثمرة ، وجداول الماء العذب تسقيها ، فتعطي تلك الأشجار فواكة لذيذة وكثيرة ومتنوعة .
وكان ذلك قد جعل نصيباً في تلك الثمار للفقراء والمساكين ، الذين كانوا يتوافدون أيام قطافها إلى البستان ، ليأخذوا نصيبهم منها ، وكان يعطيهم مما رزقه الله بنفس طيبة وقلب سعيد ، لأنه كان يعرف أنه بذلك يرضي الله تعالى ، ويدخل السعادة على قلوب أولئك المعذبين .
وكان جميع أولاد الصالح – إلا واحد منهم – يكرهون فعل أبيهم ، ويعتبرونه تبذيراً وإنفاقاً في غير موضعه حتى إذا ما مات أبوهم ، قرروا أن يحتكروا ثمرات البستان لأنفسهم ، ليكثروا مالهم ، ويسعدوا أنفسهم وأولادهم ، وليذهب الفقراء إلى حال سبيلهم .
قال أحدهم : لقد صار البستان لنا ، وسوف نجني منه الكثير .
وقال الثاني : ولن ندع الفقراء يقتربون منه .
وقال الثالث : ولن يطمع الفقراء بعد اليوم بشيء منه .
قال أوسط الإخوة ، وكان معجباً بأبيه وبكرمه وإنفاقه على الفقراء والمساكين : أنصحكم أن تسيروا على ما كان يسير عليه أبوكم ، فالله سبحانه وتعالى قد جعل للفقراء والمحتاجين حقاً في هذا المال .
قال كبيرهم : إنه مالنا .. وليس لأحد حق فيه .
قال أوسطهم : بل إنه – كما يقول أبونا – إنه مال الله ، وقد استودعنا الله إياه ، وللفقراء نصيب فيه ...
اشتد الجدال وطال الحوار ، وغلب الأخ الأوسط على أمره ، وأئتمر الأخوة فيما بينهم ، أن يبكروا إلى تلك الجنة الدانية القطوف ، وأن يأخذوا كل ما فيها من فواكه وثمار قبل أن ينتبه الفقراء والمساكين ويأتوا – كعادتهم أيام أبيهم – ليأخذوا حصتهم ونصيبهم منها .
نام الأخوة الأشحاء على أحلام الغد الممتلئ بالغنى والثروة ، واستيقظوا في الجزء الأخير من الليل ، وبادروا إلى بستانهم ، وعندما وصلوا إليه وقفوا ذاهلين ، فقد كان البستان قاعاً صفصفا ، فقد احترق بأكمله ..
قال كبيرهم : لا .. لا .. هذا ليس بستاننا ..
قال الآخر : إن بستاننا جنة تجري من تحتها الأنهار ، وهذا خراب .
قال أوسطهم : بل إنه بستانكم .. قد أرسل الله عليه طائفاً من البلاء جعله كما ترون ، لأنكم لم تفعلوا كما كان يفعل أبوكم ، ولم ترضوا فيما أعطاكم ، لم تعطوا الفقراء حقهم الذي فرضه الله لهم في بستانكم .. ولقد نصحتكم، ولكنكم لا تحبون الناصحين ..
وندم الأخوة على ما كانوا بيتوه ضد الفقراء ، لكن بعد فوات الأوان ...
قال تعالى .. قالوا سبحان ربِنا إنَا كنَا ظالمين .. فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون .. قالوا يا ويلنا إن كنَا طاغين .. عسى ربُنا أن يبدلنا خيراً مِنها إنَا إلى ربِنا راغبون) .

الحلاق والزبون


ذهب رجل إلى الحلاق، لكي يحلق له شعر رأسه ويهذب له لحيته.. وما أن بدأ الحلاق عمله في حلق رأس هذا الرجل، حتى بدأ بالحديث معه في أمور كثيرة.. إلى أن بدأ الحديث حول وجود الله.
قال الحلاق : أنا لا أؤمن بوجود الله.
قال الزبون : لماذا تقول ذلك؟..
قال الحلاق : حسنا، مجرد أن تنزل إلى الشارع، لتدرك بأن الله غير موجود.. قل لي، إذا كان الله موجودا هل ترى أناسا مرضى؟.. وإذا كان الله موجودا هل ترى هذه الأعداد الغفيرة من الأطفال المشردين؟.. طبعا إذا كان الله موجودا، فلن ترى مثل هذه الآلام والمعاناة.. أنا لا أستطيع أن أتصور كيف يسمح ذلك الإله الرحيم مثل هذه الأمور.
فكر الزبون للحظات، لكنه لم يرد على كلام الحلاق حتى لا يحتد النقاش.. وبعد أن انتهى الحلاق من عمله مع الزبون.. خرج الزبون إلى الشارع، فشاهد رجلا طويل شعر الرأس، مثل الليف، طويل اللحية، قذر المنظر، أشعث أغبر.. فرجع الزبون فورا إلى صالون الحلاقة.
قال الزبون للحلاق : هل تعلم بأنه لا يوجد حلاق أبدا؟!..
قال الحلاق متعجبا : كيف تقول ذلك.. أنا هنا وقد حلقت لك الآن!..
قال الزبون : لو كان هناك حلاقان، لما وجدت مثل هذا الرجل!..
قال الحلاق : بل الحلاقون موجودون.. وإنما حدث مثل هذا الذي تراه، عندما لايأتي هؤلاء
الناس لي لكي أحلق لهم.
قال الزبون : وهذا بالضبط بالنسبة إلى الله.. فالله موجود، ولكن يحدث ذلك عندما لا يذهب الناس إليه عند حاجتهم.. ولذلك ترى الآلام والمعاناة في العالم.

قصة ( ويل لكل همزة لمزه )


لم يبتعدِ الناسُ عن مكان الأخنسِ إلاّ وسمعوا رجلاً قوياً يصرُخُ :
ـ أيها الناسُ .. تعلَوا اسمعوا مني ...
همسوا :هل من ساخرٍ آخرَ بمحمدٍ ...
صرخَ الرجلُ : ويلٌ لكلِّ همزةٍ لُمزةٍ ...
همسَ رجلٌ : اسمعوا إنَّ ربَّ محمدٍ يُهددُ الأخنسَ .
وهمسَ آخرُ : يُهدّدُ جميعَ الذين يسخرون من الناسِ ...
وهمس ثالثٌ : ويغمزونهم بأعينهم وأيديهم ..
صاحَ رابعٌ : اسمعوا ....
صاح المسلمُ : الذي جمع مالاً وعدّدهُ .
همسوا جميعاً : إنَّهُ الأخنسُ لا شك .
صرخ المسلمُ : يحسبُ أنَّ مالَهُ أخلدَهُ ؟!!..
همس رجلٌ : اليومَ قال لنا هذا ...
زادَ صُراخُ المسلم : كلاّ لينبذنَّ في الحُطمةِ .
همسوا جميعاً وقد ارتجفت قلوبُهم :
ـ سينبذُهُ اللهُ في مكانٍ يُحطّمُ كلَّ شيءٍ يدخل ُ فيه . وأين هو هذا المكانَ .
صرخ المسلمُ : وما أدراكَ ما الحُطمةُ.
همسوا : لا نعرفُ .. لا نعرفُ ..
تابع المسلمُ : نارُ اللهِ الموقدةُ .
همسوا بخوفٍ وعجبٍ : الحُطمةُ هي نارُ اللهِ المُشتعلةُ ؟!..
تابع المسلمُ : التي تطّلع على الأفئدةِ .
صرخ بعضُ الرجالِ بخوفٍ :
ـ سيصلُ لهيبُ نارِ اللهِ إلى قلوبِ الذينَ يُعذَّبونَ في الحطمةِ ؟! يا ويلكَ يا أخنسُ .
تابع المسلم : إنّها عليهم مؤصدةٌ .
صرخَ الأخنسُ من خلفِ الناسِ :
ـ لا تخافوا إن أغلقوا النّارَ عليَّ فسوفَ أفتحها بسيفي هذا ...
فُوجئ الناسُ بالأخنسِ يهجُمُ بسيفهِ على المسلمِ الذّي كان يقولُ :
ـ في عمدٍ مُمدَّةٍ .
صرخ الأخنسُ : ستصلني النارُ بالأعمدةِ ؟! وكيف ذلك يا أحمقْ .؟!..
همس رجلٌ : سيُربطُ إلى الأعمدةِ وتُسلّطُ النارُ عليه .
وهمسَ آخر: سيُضربُ بأعمدةِ النيرانِ .
تفرّقَ الناسُ عن المسلمِ الذي اختفى سريعاً ، بينما كانَ الأخنسُ يصرخُ : أيها الناس ، لا تُصدقوا كلامَ محمدٍ ، ولا تهديدهُ ، إنَّهُ يريدُ أن يُخوِّفكم ،
وراح يسخرُ من محمدٍ كعادَتِهِ .
لكنَّ آياتِ سورةِ الهُمزةِ كانت تملأ حياتَهُ خوفاً وهلعاً ، ابتعد عن الناسِ ، وراحَ يُفكرُ في مصيرِهِ المُخيفِ كان ينتفضُ كورقةِ الشجرِ في الرّياحِ العاصفةِ حينَ كان على فراشِ الموتِ ، فلما ماتَ رأى كلَّ شيءٍ هدّدهُ اللهُ به ، ألقتْهُ الملائكةُ في جهنّمَ بكلِّ احتقارٍ ، وحُبسَ في أماكنَ ضيقةٍ مُغلقةٍ كانت النيرانُ تُحرقهُ ، وما كانَ يستطيع فكاكاً من الأعمدةِ التي رُبطَ إليها ، وما كان يستطيعُ دفعاً لأعمدةِ النيرانِ التي كانت تنهالُ عليه ضرباً وسحقاً ، وتحرقهُ بلهيبها الذي لا يهدأُ ، رأى في النارِ ألوفَ الهمّازينَ الغمّازينَ المحاربينَ للإسلامِ فعرفَ أنَّ التهديدَ لم يكن لهُ وحدهُ وإنما كان لكلِّ همّازٍ غمّازٍ لمّازٍ غنيِّ بطرٍ يُحاربُ الإسلامَ ، ويستهزئُ بنبيّهِ وقُرآنهِ وأتباعهِ . فتمنّى لو كان آمنَ بالقرآنِ الكريمِ وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم .
أكلهُ النّدمُ ، لكن هيهاتَ أنْ ينفعهُ النّدمُ .